[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ولد 'فان كوخ' في بلدة ' زونديت ' بهولندا عام 1853م لأب يعمل قسيساً
بكنيسة البلدة، وهو الأب الذي زرع في أعماق هذا الصغير من خلال الجو
الديني الصارم الذي أحاط بالأسرة مثلاً علياً ربما كانت تصطدم كثيراً جداً
بالواقع طوال حياة ' فان كوخ'.
و عندما بلغ 'فان كوخ' السادسة عشرة من عمره أصطحبه عمه إلى مدينة 'لاهاي'
ليعمل معه في القاعة التي يديرها والمتخصصة في بيع الأعمال الفنية سواء من
الآثار القديمة أو من إنتاج الفنانين المعاصرين، وهي القاعة التي كانت
تتبع مؤسسة 'كوبيل' الشهيرة والتي يقع مركزها الرئيسي بباريس. و من خلال
هذا العمل تعرف فان كوخ على عالم الفن وتحمس لبعض الأعمال ولبعض الفنانين،
و لهذا بذل جهده في إقناع عملائه بشراء أعمال هؤلاء الفنانين وبلغ من
نجاحه أن قررت المؤسسة نقله إلى لندن ليدير فرعها هناك
واستمر هذا النجاح الذي صاحبه اهتمام ' فان' بمظهره وأناقته الشخصية إلى أن أحب إحدى
الفتيات وتدعي ' أرسيولا ' و لكنه عندما طلب منها الزواج هزأت به وصدته في
خشونة شديدة مما جعله يصاب بما يشبه الهوس الديني، فبدلاً من أن يناقش
العملاء عن جماليات اللوحات المعروضة بالقاعة التي يديرها أخذ يحثهم علي
الدين.. مما جعل الشركة تنقله إلى باريس حيث تدهورت حالته النفسية وانطوى
على نفسه وأصابته الكآبة ..و قبل أن تقرر الشركة فصله كان قد قدم استقالته
عازماً على تكريس حياته للخدمة الدينية بعد أن اتجه إلى لندن ليعمل كمدرس
للغة الفرنسية، و لكن جو لندن المظلم الكئيب و ذكريات جرحه العاطفي جعلت
حالته النفسية تزداد سوءاً فعاد إلى هولندا حيث التحق بمعهد لاهوتي في
'أمستردام' و عكف على الدراسة الجادة ستة أشهر حتى أصابه الملل وقرر أن
يعمل واعظاً بين عمال المناجم والفلاحين في إحدى قري بلجيكا حيث عايش
المرضى بحمي التيفود وحاول تخفيف آلام الاحتضار عليهم، وسهر مع الفقراء
والجرحى، متخطياً بذلك الحدود المرسومة له كمبعوث ديني إلى نوع من الامتزاج
والتوحد الكلي، حيث يقضي أيامه ولياليه بين هؤلاء لا يأكل إلا معهم ولا
يخصص الوقت الكافي لراحته ونومه .. بل و وزع عليهم ملابسه وأغطيته وأصبح
يعاني من البرد والجوع إلى الحد الذي جعل مظهره يتدهور .. مما زاد من تعلق
هؤلاء العمال به حتى طردته السلطات الدينية قبل أن يمر عام واحد على تسلمه
لهذا العمل، و ذلك لعدم اقتناعهم بطريقته في تطبيق التعاليم المسيحية على هذا النحو.
و هو الأمر الذي زاد من أزمته النفسية حيث شعر بالفشل في كل ما أسند
أليه من أعمال بجانب فشله في حبه، ولكنه قرر ألا يستسلم.. فما لبث أن كتب
لأخيه ' تيو ' ليقول له ' أنني بالرغم من كل شيء سوف أنهض ثانية .. سوف
أتناول من جديد ريشتي التي تخليت عنها في أيام انكساري، و سأعود للرسم
والآن يبدو لي كل شيء و قد تغير', ومنذ ذلك الحين آمن ثيو بأخيه
فان كوخ وسنح له الفرصة ليخرج أعظم الأعمال الفنية .. حيث لم ينقطع ثيو
طيلة السنوات العشر التالية عن بذل المعونة المالية لأخيه و تشجيعه
ومساعدته بكل ما استطاع توفيره من دخله المتواضع .. و ببلوغ ' فان كوخ '
السابعة والعشرين من عمره التحق بأكاديمية الفنون في مدينة ' انفري ' حيث
بدأ حياته في عالم الألوان, عكف على رسم الفلاحين الهولنديين وعمال
المناجم والبؤساء مسجلاً ما نقش في مخيلته من ذكريات في مجموعة من اللوحات
الحزينة القاتمة القوية التعبير و هي المرحلة التي يطلق عليها في فنه
'المرحلة الهولندية' التي امتدت ما بين عامي 1854 ، 1855 و في العام
التالي رحل ' فان كوخ' إلى باريس للإقامة مع أخيه في أستوديو بحي'
مونمارتر' حيث كان أخوه ثيو من تجار الصور المهتمين بتتبع الاتجاهات
الحديثة في الفن، فقد كان مديراً لفرع إحدى المؤسسات الفنية.
هذا الفنان العبقري لم يكن يرسم كثيرا فقط ، بل كان يكتب أيضا بنفس الحرارة
والتوهج كمًا هائلا من الرسائل والخواطر إلى شقيقه ( ثيو ) والتي جُمعت في
كتاب من ثلاثة مجلدات تضمنت آرائه في الرسم وفي النقد والمجتمع و المرأة
وعن نفسه في اغلب الأحيان.
و سعد 'فان كوخ' كثيراً بصحبة أخيه بعد ما قاساه من وحشة وحرمان و كذلك
سعد بحياته الجديدة في باريس .. فما لبث أن تغيرت ألوانه القاتمة و حلت
محلها الألوان الزاهية البراقة التي ربما عكست رؤيته للحياة في تلك
الفترة، والتي اتجه فيها إلى دراسة النظريات والأساليب الفنية الجديدة
ومناقشتها مع أصحابها بل وتجربتها في لوحاته، كما تعرف خلال هذه الفترة على
عدد من الفنانين الشباب ومنهم ' تولوزلوتريك' و ' بول كوكان' .
كما تأثرت لوحاته بالرسوم اليابانية المطبوعة .. ثم ظهرت تأثيرات تجارب زملائه
المعاصرين علي فنه، و بعد مضي عام آخر كان قد استوعب كل ما حوله من تجارب
ليصبح مهيئاً لمرحلة ناضجة استغرقت بقية حياته..
و استمرت إقامة ' فان كوخ' الأخيرة في باريس لمدة عامين إلى أن قرر فجأة في فبراير عام 1888
السفر إلى بلدة ' أرل' بمقاطعة ' بروفانس' في جنوب فرنسا حيث الشمس
الساطعة طوال النهار والألوان المتوهجة، و عكف خلال العامين التاليين على
الرسم في سعادة و حماس لدرجة أن لوحاته في تلك الفترة تشع حيوية في ألوانها وشكلها
ومع أنه كان يرسم بأسلوب لمسات الفرشاة المتعددة
الألوان إلا أن لمساته في تلك الفترة كانت أعرض وأقوي .. وقد شرح طريقته
في خطاب لأخيه يقول فيه: ' أنني بدلاً من محاولة نقل الطبيعة بأمانة
استخدمت الألوان بحريه و دون تقيد من أجل التعبير عن نفسي تعبيراً قوياً' .
و في هذه المرحلة دعا ' بول كوكان' إلى الإقامة معه وهو يحلم بإنشاء رابطة
للفنانين وبأن يكون منزله هو نواة تحقيق هذا الحلم .. إلا أن وصول
'كوكان'أعقبته المتاعب، فالمناقشات احتدمت والخلاف في الرأي اتسع والصخب
الذي يثيره 'كوكان' أينما حل أدي إلى توتر أعصاب ' فان كوخ' حتى كان
الانفجار عندما سخر ' كوكان' من فكرة إنشاء رابطة للفنانين وعندئذ قذف '
فان كوخ' محتويات كأسه من النبيذ في وجه 'كوكان' ثم أغمى عليه، فحمله
'كوكان' من المقهى إلى المنزل وأرقده في الفراش، و في الصباح ندم 'فان
كوخ' و طلب من زميله الصفح، ولكنهما ما لبثا أن عادا إلى الشجار بعد منتصف
الليل، وتطور غضب ' فان كوخ' لدرجة جعلته يخرج موس الحلاقة و يشهره في وجه
' كوكان' بل و جرى وراءه في الشوارع محاولاً قتله، ولكنه عاد إلى بيته بعد
أن أفاق و هو يشعر بحالة تمزق عنيف ورحل 'كوكان' تاركاً ' فان كوخ'
التي ظلت حالات الهياج الجنوني تعاوده من حين لآخر حتى قام في إحداها بقطع
آذنه و ربط رأسه المصاب ثم قدم الأذن المقطوعة في لفافة إلى محبوبته التي
طلبت منه أذنه خلال إحدى مداعباتها له ، وعندما عاد إلي بيته أغمي عليه
ولم يفق إلا في المستشفي، و عندما استرد صحته طاردته أنظار أهل البلدة
وصيحات أطفالها.. فانهارت أعصابه و لم يجد أخوه بداً من نقله إلى مستشفي
للأمراض العقلية بالقرب من ' أرل'، وهي المستشفي التي مكث فيها عام، و سمح
له بالرسم فيها فظهر في لوحاته بهذه المرحلة شيء من عنف نوبات الصرع التي
تعرض لها.. و عندما نجح أخوه في بيع إحدى لوحاته بمبلغ 400 فرنك .. اقترح
أن يستخدم هذا المبلغ في الاستشفاء بمصحة خاصة قرب باريس يشرف عليها طبيب
يدعي 'دكتور جاشيت' و هو من هواة الفن، و قد أمضي هذا الطبيب أوقاتاً
طويلة في صحبته، و لكن نوبات الصرع راحت تتوالى بانتظام وسئم جوخ الحياة..
فخرج إلى حقل مجاور وأطلق على نفسه الرصاص و لكنه لم يمت على الفور حيث
نقله ' تيو ' إلى المستشفي التي مات بها بعد يومين وهو لم يتجاوز السابعة
والثلاثين من عمره بعد أن رسم أكثر من 700 لوحة وحوالي 1000 رسمة .
مات معدما، هزيلا، نحيلا، مهووسا، بعد أن طارده المرض وقذف به إلى مصحة
عقلية، مات فان كوخ ليبدأ العالم تذكره وكتابة اسمه في قائمة الخالدين
بأعمالهم .. الآن لوحاته لا تقدر بملايين الدولارات .. وهو كان يعيش أياما
بأكملها على رغيف خبز واحد .. !
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عدل سابقا من قبل افرام ايليشة صنا في الثلاثاء أبريل 29, 2008 9:24 pm عدل 1 مرات